شكَّل وصول الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني نقطة بارزة في تاريخ العلاقة بين السلطة والمعارضة؛ حيث شهدت تهدئة سياسية من طرف ولد العزواني الذي تعهد بـ”تطبيع الساحة السياسية في البلد” ومد اليد للمعارضة والتشاور معها في أهم القضايا المطروحة للنقاش في البلد، كما شهدت هذه الفترة صمتا شبه مطبق من طرف قادة المعارضة، ولم تكد تمضي أسابيع دون لقاء الرئيس بأحد قادة المعارضة في القصر الرئاسي.
هذه التهدئة جاءت بعد عشر سنوات من حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز شهدت الساحة السياسة فيها احتقانا سياسيا كبيرا، وشدا وجذبا بين المعارضة والسلطة الحاكمة وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين برفض الحوار ومحاولة التصعيد المستمر.
فكان وصول ول الغزواني للسلطة بعد هذا الاحتقان الكبير فرصة وجد فيها الطرفان (السلطة والمعارضة) ذريعة لأخذ “راحة محارب” بعد الخروج من عشرية كانت حامية الوطيس لم يعرف الطرفان فيها للراحة من سبيل، غير أن هذه التهدئة لم تدم طويلا؛ فبعد 100 يوم من حكم الغزواني بدأت أصوات معارضة ـ وإن بشكل خافت ـ تطالب بإجراء تغيير جذري من طرف النظام الجديد وليس مجرد تهدئة للساحة السياسية فقط.
وواصلت هذه الأصوات طريقها للانتشار والتوسع، وما إن مر عامان على مجيء النظام الجديد حتى أعلنت القوى المعارضة عن عدم رضاها عن التهدئة السياسية في البلد إذا لم يصاحب ذلك “حوار جدي يفضي إلى التغيير المنشود”، فيما دعا ولد الغزواني من خلاله الحزب الحاكم إلى ” تشاور” شامل بين كافة القوى الفاعلة في البلد، فرحبت أطراف معارضة بهذا التشاور المزمع داعية إلى أن يكون تشاورا جامعا لا يلغي أي طرف دون أن تشترط له مسمى محددا، بينما رفضت أطراف أخرى معارضة هذا التشاور مشترطة أن يكون تحت مسمى “الحوار” لا “التشاور”، وبذلك انقسمت الساحة المعارضة في موريتانيا بين مشارك ومقاطع.
وسنأخذ في زاوية ” سجال” وجهة نظر كل من الرأيين المتصدرين للمشهد؛ بين من يقبل “التشاور” ويرى أن بإمكانه حل الأزمة السياسية الحالية إن لم يكن أفضل من “الحوار” لشموليته جميع الفاعلين الوطنيين، وبين من يرفض الانضام لهذا “التشاور” ويرى أن “الحوار” هو السبيل الأنسب لتجازوز هذه المرحلة بوصفه ملزما للسلطة وليس “مجرد تشاور يفضي إلى توصيات غير ملزمة”.